فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لا إله إلا هو}:

.قال الفخر:

والفائدة في إعادته وجوه:
الأول: أن تقدير الآية: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وإذا شهد بذلك فقد صح أنه لا إله إلا هو، ونظيره قول من يقول: الدليل دلّ على وحدانية الله تعالى، ومتى كان كذلك صح القول بوحدانية الله تعالى.
الثاني: أنه تعالى لما أخبر أن الله شهد أنه لا إله إلا هو وشهدت الملائكة وأولوا العلم بذلك صار التقدير، كأنه قال: يا أمة محمد فقولوا أنتم على وفق شهادة الله وشهادة الملائكة وأولي العلم لا إله إلا هو فكان الغرض من الإعادة الأمر بذكر هذه الكلمة على وفق تلك الشهادات.
الثالث: فائدة هذا التكرير الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون أبدًا في تكرير هذه الكلمة فإن أشرف كلمة يذكرها الإنسان هي هذه الكلمة، فإذا كان في أكثر الأوقات مشتغلًا بذكرها وبتكريرها كان مشتغلًا بأعظم أنواع العبادات، فكان الغرض من التكرير في هذه الآية حث العباد على تكريرها.
الرابع: ذكر قوله: {لا إله إلا هو} أولًا: ليعلم أنه لا تحق العبادة إلا لله تعالى، وذكرها ثانيا: ليعلم أنه القائم بالقسط لا يجور ولا يظلم. اهـ.

.قال القرطبي:

{لا إله إلا هو العزيز الحكيم} كرّر لأن الأولى حَلّتْ محلّ الدعوى، والشهادة الثانية حلّت محل الحكُم.
وقال جعفر الصادق: الأولى وصفٌ وتوحيدٌ، والثانية رَسْمٌ وتعليمٌ؛ يعني قولوا لا إله إلا الله العزيز الحكيم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لا إله إلا هو العزيز الحكيم} كرر التهليل توكيدًا وقيل: الأول شهادة الله، والثاني شهادة الملائكة وأولي العلم، وهذا بعيد جدًّا لأنه يؤدّي إلى قطع الملائكة عن العطف على الله تعالى، وعلى إضمار فعل رافع، أو على جعلهم مبتدأ، وعلى الفصل بين ما يتعلق بهم وبين التهليل بأجنبي، وهو قوله: {قائمًا بالقسط}.
وقيل: الأول جار مجرى الشهادة، والثاني جار مجرى الحكم وقيل: هذا الكلام ينطوي على مقدّمتين، وهذا هو نتيجتهما، فكأنه قال: شهد الله والملائكة وأولو العلم وما شهدوا به حق فلا إله إلا هو حق، فحذف إحدى المقدّمتين للدّلالة عليها، وهذا التقدير كله لا يساعد عليه اللفظ.
وقال الراغب: إنما كرر {لا إله إلا هو} لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد لأن أكثرها مشارك في ألفاظها العبيد، فيصح وصفهم بها، وكذلك وردت ألفاظ التنزيه في حقه أكثر، وأبلغ ما وصف به من التنزيه: لا إله إلا الله، فتكريره هنا لأمرين: أحدهما: لكون الثاني قطعًا للحكم، كقولك: أشهد أن زيدًا خارج، وهو خارج.
والثاني: لئلا يسبق بذكر العزيز الحكيم إلى قلب السامع تشبيه، إذ قد يوصف بهما المخلوق انتهى. اهـ.

.قال ابن عادل:

قال الزمخشريُّ: فإن قلت: لِمَ كرَّر قوله: {لا إله إلا هو}؟ قلت: ذكره- أولًا- للدلالة على اختصاصه بالوحدانية، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة، ثم ذكره- ثانيًا- بعدما قَرَن بإثبات الوحدانية إثبات العدل؛ للدلالة على اختصاصه بالأمرين، كأنه قال: لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين، ولذلك قرن به قوله تعالى: {العزيز الحكيم}؛ لتضمنها معنى الوحدانيةِ والعدلِ.
وقال بعضهم: ليس بتكرير؛ لأن الأول شهادة الله- تعالى- وحده. والثاني: شهادة الملائكة وأولي العلم، وهذا عند من يرفع {الْمَلاَئِكَةُ} بفعل آخر مضمر- كما ذكرنا- من أنه لا يرى إعمال المشترك، وأن الشهادتين متغايرتان، وهو مذهب مرجوح.
وقال الراغبُ: إنما كرَّر {لا إله إلا هو}؛ لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد؛ لأن أكثرها مشارك- في ألفاظها- العبيد، فيصح وصفُهم بها، ولذلك وردت ألفاظ في حقه أكثر وأبلغ. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {العزيز الحكيم}:

.قال الفخر:

أما قوله: {العزيز الحكيم} فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى كمال العلم، وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلهية إلا معهما لأن كونه قائمًا بالقسط لا يتم إلا إذا كان عالمًا بمقادير الحاجات، وكان قادرًا على تحصيل المهمات، وقدم العزيز على الحكيم في الذكر، لأن العلم بكونه تعالى قادرًا متقدم على العلم بكونه عالمًا في طريق المعرفة الإستدلالية، فلما كان مقدمًا في المعرفة الإستدلالية، وكان هذا الخطاب مع المستدلين، لا جرم قدم تعالى ذكر العزيز على الحكيم. اهـ.

.قال البيضاوي:

قدم العزيز لتقديم العلم بقدرته على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد. اهـ.

.قال ابن كثير في معنى الآية وفضلها:

شهد تعالى- وكفى به شهيدا، وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم، وأصدق القائلين- {أَنَّهُ لا إله إلا هو} أي: المتفَرد بالإلهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه، والفقراء إليه، وهو الغني عما سواه كما قال تعالى: {لَكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنزلَ إِلَيْكَ أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِالله شَهِيدًا} الآية [النساء: 166].
ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام.
{قَائِمًا بِالْقِسْطِ} منصوب على الحال، وهو في جميع الأحوال كذلك.
{لا إله إلا هو} تأكيد لما سبق {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} العزيز: الذي لا يرام جنابه عظمةً وكبرياء، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، حدثني جبير بن عَمْرو القرشي، حدثنا أبو سَعِيد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفةَ يقرأ هذه الآية: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إله إلا هو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} «وأَنَا عَلَى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يا رَبِّ».
وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر، فقال: حدثنا علي بن حسين، حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني، حدثنا عُمَر بن حفص بن ثابت أبو سعيد الأنصاري، حدثنا عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، عن الزبير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ هذه الآية: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو وَالْمَلائِكَةُ} قال: «وأَنَا أشْهَدُ أيْ رَبِّ». اهـ.

.قال ابن عجيبة:

يقول الحقّ جلّ جلاله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} أي: بيَّن وحدانيتَه بنصب الدلالئل الدالة عليها وإنزال الآيات الناطقة بها، أو بتدبيره العجيب وصنعته المتقنة وأموره المحكمة، وفي ذلك يقول القائل:
يَا عَجَبًا كيف يُعْصَى الإلهُ ** أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟!

وللهِ في كل تحريكةٍ ** وتسكينةٍ أبدًا شاهدُ

وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ ** تَدُلُّ على أنه واحِدُ

وقيل لبعض العرب: ما الدليل على أن للعالم صانعًا؟ فقال: البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة، أمَا يدلان على الصانع الخبير؟!
وشهدت {الملائكة} أيضا بالإقرار بالوحدانية والإخبار بها، {وأولوا العلم} وهم: الأنبياء والعلماء بالله، بالإيمان بها والاحتجاج عليها، شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد. وفيه دليل شرف أهل العلم وفضلهم، حيث قرن شهادتهم بشهادته؛ لأن العلم صفة الله العليا ونعمته العظمى، والعلماء أعلام الإسلام، والسابقون إلى دار السلام، وسُرج الأمكنة وحجج الأزمنة.
وعن جابر قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سَاعَةٌ مِنْ عَالمِ يتَّكِئ على فِرَاشِهِ، ينظُرُ في علمهِ، خَيرٌ مِنْ عِبَادَة العَابِد سَبعينَ عامًا» وعن معاذ قالَ: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشيةٌ، ومدارستَه تسبيحٌ، والبحث فيه جهادٌ، وتعليمه مَنْ لا يعلمه صدقةٌ، وتذكُّره في أهله قُرْبَة» ثم قال في آخر الحديث في فضل أهل العلم: «وتَرْغَبُ الملائكة في خُلتِهم، وبأجنحتها تمسحُهم، وفي صلاتها تستغفر لهم، وكلُّ رطب ويابس يستغفر لهم. حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع الأرضين وأنعامها، والسماء ونجومها، ألا وإن العلم حياةُ القلوب من العمى، ونورُ الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منزل الأحرار ومجالسة الملوك، والفكر فيه يُعْدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، وبه يُعرف الحلال والحرام، وبه تُوصلَ الأرحام، العلم إمام والعمل تابعه، يُلْهَمُه بالسعداء، ويُحْرَمه الأشقياء». اهـ.

.قال السعدي:

هذا تقرير من الله تعالى للتوحيد بأعظم الطرق الموجبة له، وهي شهادته تعالى وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة وأهل العلم، أما شهادته تعالى فيما أقامه من الحجج والبراهين القاطعة على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، فنوع الأدلة في الآفاق والأنفس على هذا الأصل العظيم، ولو لم يكن في ذلك إلا أنه ما قام أحد بتوحيده إلا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد، وكذلك إنعامه العظيم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع النقم إلا هو، والخلق كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لأنفسهم ولغيرهم، ففي هذا برهان قاطع على وجوب التوحيد وبطلان الشرك، وأما شهادة الملائكة بذلك فنستفيدها بإخبار الله لنا بذلك وإخبار رسله، وأما شهادة أهل العلم فلأنهم هم [ص 125] المرجع في جميع الأمور الدينية خصوصا في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد، فكلهم من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه وبينوا للناس الطرق الموصلة إليه، فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به، وفي هذا دليل على أن أشرف الأمور علم التوحيد لأن الله شهد به بنفسه وأشهد عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصر، ففيه دليل على أن من لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة فليس من أولي العلم. وفي هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة، منها: أن الله خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس، ومنها: أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا ومنها: أنه جعلهم أولي العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته، ومنها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به، فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه، ولما قرر توحيده قرر عدله، فقال: {قائمًا بالقسط} أي: لم يزل متصفا بالقسط في أفعاله وتدبيره بين عباده، فهو على صراط مستقيم في ما أمر به ونهى عنه، وفيما خلقه وقدره، ثم أعاد تقرير توحيده فقال: {لا إله إلا هو العزيز الحكيم} واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس، فأما الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره، ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله، فهو من الأدلة النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه، وأما الأدلة العقلية التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للأمور فقد أرشد القرآن إليها ونبه على كثير منها، فمن أعظمها: الاعتراف بربوبية الله، فإن من عرف أنه هو الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور أنتج له ذلك أنه هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولما كان هذا من أوضح الأشياء وأعظمها أكثر الله تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الأدلة العقلية على أن الله هو الذي يؤله دون غيره انفراده بالنعم ودفع النقم، فإن من عرف أن النعم الظاهرة والباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله، وأنه ما من نقمة ولا شدة ولا كربة إلا وهو الذي ينفرد بدفعها وإن أحدا من الخلق لا يملك لنفسه- فضلا عن غيره- جلب نعمة ولا دفع نقمة، تيقن أن عبودية ما سوى الله من أبطل الباطل وأن العبودية لا تنبغي إلا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار، فلهذا أكثر الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا، ومن الأدلة العقلية أيضا على ذلك: ما أخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه، بأنها لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تنصر غيرها ولا تنصر نفسها، وسلبها الأسماع والأبصار، وأنها على فرض سماعها لا تغني شيئا، وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصها غاية النقص، وما أخبر به عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة، والقدرة والقهر، وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالأدلة السمعية والعقلية، فمن عرف ذلك حق المعرفة عرف أن العبادة لا تليق ولا تحسن إلا بالرب العظيم الذي له الكمال كله، والمجد كله، والحمد كله، والقدرة كلها، والكبرياء كلها، لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات الصم البكم الذين لا يعقلون، ومن الأدلة العقلية على ذلك ما شاهده العباد بأبصارهم من قديم الزمان وحديثه، من الإكرام لأهل التوحيد، والإهانة والعقوبة لأهل الشرك، وما ذاك إلا لأن التوحيد جعله الله موصلا إلى كل خير دافعا لكل شر ديني ودنيوي، وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية، ولهذا إذا ذكر تعالى قصص الرسل مع أمم المطيعين والعاصين، وأخبر عن عقوبات العاصين ونجاة الرسل ومن تبعهم، قال عقب كل قصة: {إن في ذلك لآية} أي: لعبرة يعتبر بها المعتبرون فيعلمون أن توحيده هو الموجب للنجاة، وتركه هو الموجب للهلاك، فهذه من الأدلة الكبار العقلية النقلية الدالة على هذا الأصل العظيم، وقد أكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة فله الحمد والشكر والثناء. اهـ.